الدكتور: جواد مبروكي
لا أعرف مغربياً واحداً من أي دينٍ كان ومن أي بيئة كانت لا يستهلك جرعات من مخدر النميمة، بالرغم من أن كل الديانات القديمة والحديثة والأعراف الأخلاقية تحرم هذا المخدر الفتاك، أكبر مدمر للجهاز النفسي بحيث تصل بالمدمن على النميمة إلى الاكتئاب وفقدان الثقة في نفسه.
إذا عجزت كل الديانات بدون استثناء على القضاء على آفة النميمة، فربما لأنها من مكونات المغربي المتأصلة كلون البشرة مثلاً؟ إنه مجرد سؤال وتساؤل؟ نجد هذه الآفة في كل الأوساط (العائلية، السياسية، الدينية، الصحافية، الإعلامية، بين الأزواج، بين الإخوان، بين الجيران…) وأصبحت مثل الأوكسجين.
سأتطرق للنميمة من الجانب النفسي، وسأحاول توضيح أسباب الإدمان عليها
تحليل مراحل تطور الإدمان على مخدر النميمة :
المرحلة الأولى « مجرد فكرة »: يشتغل عليها الفرد ذهنياً ليضخمها حتى يشعر بأنه ضحية ليُبرر الدفاع عن نفسه بِتدمير الآخرين؛
المرحلة الثانية « التسويق »: من الفكرة إلى التعبير عنها (تسويقها) لبقية أفراد محيطه لاستقطاب الجنود المؤيدة له حتى لا يشعر بثقل الذنب لوحده. أما بالنسبة إلى الجنود المدافعين، فهي فرصة ثمينة للتشارك في استهلاك مخدر النميمة. وهذا المخدر يوحد لـِ فترة معينة « مدة الاستهلاك » بين المدمنين عليه ويشعرون سوية بالدفء الفريقي. وهكذا، تتكون أول مجموعة ثم كل فرد يذهب بدوره إلى توزيع مخدر النميمة داخل دائرته الخاصة، ويتم بالتالي تسويق المخدر بسرعة فائقة في كل أنحاء الوطن وحتى خارج حدوده؛
المرحلة الثالثة « النزاع »: بعد التعبير أو التسويق، تأتي مرحلة النزاع بين بائع مخدر النميمة ومستهلكه. وهذه النزاعات تجعل البائعين يتكاثرون ويُسَوِّقون مخدر النميمة الممزوج بعصير المنازعات ويكثر الطلب أكثر فأكثر عليه. وكل مستهلك يصبح بدوره موزعاً للمخدر وتتكرر العملية إلى ما لا نهاية؛
المرحلة الرابعة « الانتقام »: بعد النزاع، تأتي مرحلة الانتقام، حيث تبدأ عملية تصفية الحسابات بين العائلات والأصدقاء والجيران وحتى في اللقاءات الاجتماعية والسياسية والدينية أياً كانت هوية أفرادها وتتكون مجموعات ومجموعات مضادة إلى ما لا نهاية. وهذه العمليات تذكرنا بحروب مافيا المخدرات.
يتطور الإدمان على شكل دورة تبتدئ « بفكرة » وتنتهي « بالانتقام ». وكل دورة عند نهايتها تولد الآلاف من الدورات وتتكرر العملية نفسها بالنسبة إلى كل دورة ويصبح عدد الدورات يتضاعف كشبكة عنكبوت بدون نهاية.
العواقب النفسية للإدمان على مخدر النميمة:
تعوّد المغربي أن يشعر بالمتعة بمجرد أن تنشأ بداخله فكرة النميمة وتغريه بـ تدمير الآخر؛ ولكن بعد تسويقها مع محيطه ينتشر المخدر بشكل لا يحمد عقباه. مَثل هذا كمثل المخدر في أوله متعة وفي آخره عذاب وسراب.
إن النميمة بلا أدنى شك تخلق خللا في الاستقرار المزاجي وحالة من فقدان الثقة في النفس وتخلق نزاعاً بين مُيولنَا الأخلاقية وغرائزنا الحيوانية؛ فكل مدمن على النميمة يلاحظ أنه يقوم بأشياء لا يرضى عنها بنفسه، ويقع في صراع بينه وبين صورته في مرآة الضمير في لحظات المواجهة والمُكاشفة. وبعد تسويقها يحل وهو أقصى عذاب نفسي.
أسباب الإدمان على مخدر النميمة:
– التربية: سواء بالمنزل أو المدرسة، ما زالت التربية تعتمد على المنافسة والمقارنة. وهاتان الطريقتان تولدان الحسد والحقد الداخلي، وهما أكبر أعداء للراحة النفسية. وللحد أو تخفيف آلام الحسد والحقد يلجأ المغربي إلى مخدر النميمة للشعور بالراحة.. وهكذا، يصبح مدمنا لأن المغربي يبقى دائما سجين المنافسة واستعمال المقارنة؛
– التربية الدينية الخاطئة: الثقافة الدينية السائدة تركز على أخطار النميمة من زاوية العقاب الإلهي، ولا تحاول أن تعلم الطفل أن النميمة تفكير سلبي خطير على راحته وأنه فحمٌ سام لسلامة فؤاده وراحة ضميره. ولا نُعلمه بالمقابل أن التفكير الطيب هو إيجابي لسعادة الإنسان وأنه سراجٍ منير للقلوب والأرواح؛
– العنف والقمع والحكرة: هذه المعاملات تولِد الثمار السلبية نفسها وتحفز الإدمان على مخدر النميمة بحثا عن المتعة المؤقتة؛
– غياب تشبع الطفل بالحنان الأبوي: يجعله يفقد الثقة في نفسه منذ الصغر، ويرى نفسه ضحية والضحية لحماية نفسها لا بد أن تُحدد أعداءها.. وهكذا، تنشئ سلاح النميمة لشن الحروب عليهم؛
المغربي مُدَمَّر ومُدمِّر: أسهل طريقة لتدمير الذات والغير هي النميمة والإدمان عليها.
الدّين بقيمه النبيلة ليس كافياً لوحده للسيطرة على الإدمان على النميمة؛ فلا بد للعلم أن يرافق الدّين للقضاء على هذه الآفة التخريبية، لأن الدّين والعلم كجناحي طائر الإنسانية لا بد أن يكونا متوازنين ومتناغمين حتى يَطير هذا الطير طيراناً سليماً.
Soyez le premier à commenter