أول نزلة برد أصيب بها الإنسان في التاريخ التقطها من الإبل

يبدو أن أول إنسان يصاب بنزلة برد في التاريخ، كان قد حصل عليها من «الإبل»؛ هذا ما كشف عنه بحث علمي حديث. ويعني هذا الأمر، أن نزلات البرد، نشأت في نفس الحيوان، الذي كان سببًا في «متلازمة الشرق الأوسط» القاتلة، الخاصة بالجهاز التنفسي، والمعروفة باسم «MERS».

المدهش في الأمر أن هذا الاكتشاف جاء بالصدفة البحتة؛ عندما كان الباحثون في مستشفى جامعة بون في ألمانيا يجرون أبحاثهم حول متلازمة الشرق الأوسط؛ ليظهر لهم هذا الاكتشاف غير المتوقع.

 

وقال البروفيسور «كريستيان دروستن»، أحد أعضاء الفريق العلمي صاحب الاكتشاف، إنه خلال قيامهم بالأبحاث حول متلازمة الشرق الأوسط «MERS»، قاموا بدراسة ألف من الإبل؛ للبحث عن فيروس «الكورونا»، مضيفًا «وكانت المفاجأة الكبيرة لنا: أننا عثرنا على مسببات الأمراض التي ترتبط بما يسمى (HCoV-229E)، وهو فيروس نزلة البرد الشائعة عند البشر، فيما يقرب من 6% من الحالات».

وأخذ العلماء عينات من فيروسات نزلات البرد عند «الجمال»، واكتشفوا أنها كانت قادرة على إصابة البشر، وذلك وفقًا للورقة البحثية التي نشروها في مجلة «وقائع» الأكاديمية الوطنية للعلوم.

ولكن التجارب أظهرت أيضًا أنه لم يوجد خطر واضح من انتشار وباء لنزلات البرد عبر الإبل، مثلما يحدث من الطيور أو الخنازير في وباء الإنفلونزا مثلًا؛ ويعود السبب وراء ذلك إلى نظام المناعة لدى البشر، والذي جرت تهيئته بالفعل ضد فيروس البرد الموجود عند الإبل بواسطة النسخة البشرية من المرض.

الرذاذ هو السبب الرئيس لانتقال البرد

 

الحيوانات ثم البشر

ويعتقد العلماء أن عددًا من الأمراض التي تصيب الإنسان، قد أصابت في البداية حيوانات أخرى، قبل أن تتحور وراثيًا عن طريق الصدفة، وتمنح الخصائص التي تمكنها من إصابة البشر.

الإنفلونزا، على سبيل المثال، يعتقد أنها قامت بقفزة من الطيور إلى البشر لعدة مرات في الماضي. وقد كانت حالات التفشي الوبائي الأولية شديدة وقوية جدًا؛ لأن البشر – في ذلك الوقت – لم يكونوا يملكون أية حصانة ضد هذه النوعية من الفيروسات. وتشير التقديرات إلى أن ما يسمى بوباء «الإنفلونزا الإسبانية»، الذي ضرب العالم عام 1918، تسبب في مقتل ما بين ثلاثة إلى 5% من سكان العالم آنذاك.

ومع ذلك، تميل الفيروسات القاتلة، والقوية للغاية، إلى الانقراض مع مرور الوقت؛ لأنها تتسبب في مقتل مضيفيهم بسرعة كبيرة جدًا؛ مما يؤدي إلى خلق ضغط تطوري باتجاه مرض أكثر اعتدالًا، يتميز بقدرته على جعل الناس مرضى، ولكن مع بقائهم على قيد الحياة؛ مما يتيح للفيروس نقل العدوى للآخرين.

ويتسبب فيروس متلازمة الشرق الأوسط (MERS)، الذي عثر عليه في البشر لأول مرة في عام 2012، في إصابة شديدة غالبًا ما تكون قاتلة، ومع ذلك فإنّه لم يتطور بعد إلى شكل ينتقل بسهولة بين البشر.

وقال البروفيسور «دروستن» إن فيروس متلازمة الشرق الأوسط يعد مرضًا غريبًا؛ فهو يتميز بأنه أصغر، وتفشيه ليس علميًا، ولكن إقليميًا، على سبيل المثال في المستشفيات، وتستمر تفشياته في الوقوع باستمرار، مُضيفًا «لحسن الحظ، أن الفيروس لم يتكيف جيدًا بما فيه الكفاية للإنسان؛ وبالتالي فلم يملك القدرة على الانتشار كوباء عالمي حتى الآن».

ومع ذلك، فقد ذكر دروستن أن الانتشار العالمي لفيروس البرد أظهر للعلماء أن فيروس متلازمة الشرق الأوسط قد يصبح وباءً عالميًا في يوم من أيام المستقبل. وأضاف: أن دراستهم الأخيرة أعطتهم إشارات تحذيرية بإمكانية تفشي هذا الفيروس عالميًا؛ لأن هذا الفيروس يمكنه أن يفعل ما يفعله فيروس «HCoV-229E».

جدير بالذكر أن البشر ـ أيضًا ـ يمكنهم أن يمرروا الأمراض إلى أنواع من الكائنات الحية الأخرى. ويعتقد أن البشر هم من نقل العدوى البكتيرية إلى القرود؛ وذلك خلال إطعامهم الفول السوداني خلال أوقات التواصل بين النوعين في غامبيا.

البشر أيضًا يمكنهم أن يمرروا الأمراض إلى أنواع الكائنات الحية الأخرى

 

نزلة البرد

«نزلات البرد»، أو كما تعرف بين العامة بمسمى أكثر بساطة هو «البرد»، هو مرض فيروسي معد يصيب الجهاز التنفسي العلوي، والذي يؤثر في المقام الأول على الأنف، والحنجرة، والجيوب الأنفية.

ويمكن أن تبدأ العلامات والأعراض الخاصة بهذا المرض خلال أقل من يومين بعد التعرض للفيروس. وتشمل هذه الأعراض السعال، والتهاب الحلق، وسيلان الأنف، والعطس، والصداع، والحمى. وغالبًا ما يشفى الناس من هذا المرض خلال فترة من سبعة إلى عشرة أيام، إلا إنه قد تستغرق بعض الأعراض ما يصل إلى ثلاثة أسابيع. والمشكلة تظهر بوضوح أكثر في أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية أخرى، وهو ما يجعل البرد يتطور في بعض الأحيان إلى التهاب رئوي.

ويتورط أكثر من 200 سلالة من سلالات الفيروسات في قضية نزلات البرد هذه، إلا إن الفيروسات الأنفية (Rhinovirus) هي الأكثر شيوعًا. وتنتشر هذه الفيروسات بشكل مباشر عن طريق الهواء؛ خلال اتصال قريب مع المصابين، أو بطريقة غير مباشرة من خلال الاتصال بالأجسام الموجودة في البيئة المحيطة، بعد أن ينتقل إليها الفيروس من خلال الفم أو الأنف.

ومن بين العوامل المتسببة في زيادة إمكانية الإصابة بهذا المرض، والتي يطلق عليها عوامل الخطر، الذهاب إلى حضانات الأطفال في الصباح، وعدم النوم بشكل جيد، والضغط النفسي.

وتتميز غالبية أعراض المرض في أنها نتيجة لاستجابة الجسم المناعية للعدوى، بدلًا من تدمير الأنسجة من قبل الفيروسات أنفسهم. وغالبًا ما تظهر أعراض مماثلة للأشخاص الذين يعانون من البرد في الأشخاص الذين يعانون من الإنفلونزا، على الرغم من أن الأعراض في الإنفلونزا تكون أكثر حدة.

لا يوجد لقاح لنزلات البرد. والطرق الرئيسة لمنع الإصابة به تتمثل في غسل اليدين، وعدم لمس العينين والأنف أو الفم بأيد غير مغسولة، والابتعاد عن المرضى الآخرين. وتدعم بعض الأدلة إمكانية استخدام أقنعة الوجه (الماسكات) للوقاية من الإصابة بالمرض.

ومما لا يعلمه الكثير من الناس، هو أنه لا يوجد علاج لنزلات البرد، ولكن يمكن علاج الأعراض المصاحبة له والتخفيف من حدتها. من بين الأدوية المستخدمة، العقاقير المضادة للالتهابات (المسكنات)، مثل عقار «إيبوبروفين» الذي يساعد على تخفيف الألم والصداع. ولا ينبغي أن تستخدم المضادات الحيوية أبدًا مع نزلات البرد، إلا في بعض الحالات القليلة جدًا التي تكون هناك عدوى بكتيرية ثانوية مصاحبة للمرض الفيروسي؛ ببساطة لأن المضادات الحيوية لا تقتل الفيروسات. كما لا تدعم بعض الأدلة فكرة الاستفادة من أدوية السعال.

وتعد نزلات البرد هي المرض المعدي الأكثر شيوعًا بين البشر. ويصاب البالغون في المتوسط بنزلات البرد من مرتين إلى أربع مرات في العام الواحد، في حين قد يصاب الطفل العادي بنزلات برد من ست إلى ثماني مرات في العام. وتزيد احتمالية الإصابة بهذا المرض خلال فصل الشتاء.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*